دور الأعمال التطوعية وعلاقتها بالبيوتكنولوجي
الأعمال التطوعية، البيوتكنولوجي، المسؤولية المجتمعية، التوعية العلمية، المبادرات الشبابية، خدمة المجتمع، التعليم العلمي، نشر المعرفة، التنمية المستدامة، التكنولوجيا الحيوية

• دور الأعمال التطوعية وعلاقتها بالبيوتكنولوجي
سبحان الله، كل نقلة في حياتي كانت لها علاقة بعلم التكنولوجيا الحيوية، وكان السبب دائمًا نقص المعلومات، نقص الخبرات، أو نقص الأشخاص الذين يمكنني الاستعانة بهم في هذا الإطار. من أول قرار دراستي لهذا المجال وحتى يومنا هذا، كانت كل القرارات تتسم بنوع من التحدي وحب الاستكشاف. كأن يكون المجال جديدًا ولا أحد يسمع عنه، فأقول: حسنًا، سأدرسه. أو أن يكون التدريب فيه صعبًا ويحتاج إلى وساطات مثلًا، فأقول: لا بأس، سأتدرب بنفسي ومن دون وساطات. وإن قيل إن العمل غير متوفر في هذا المجال، فأرد: لا مشكلة، سأبحث وسأجد عملًا. سلسلة لا تنتهي من "لا"، و"مش"، و"مافيش"...
لم أتخذ خطوة في وقتها إلا وكان يسبقها تثبيط تام من المحيطين بي؛ تثبيط عبر التشكيك في حجم الفرص، أو في قدرتي على الوصول إليها، أو حتى في قدراتي الشخصية. وأنا هنا أتحدث عن عام 2013 وما بعده، لأن في تلك الفترات، إن كنتم اليوم تعانون مرة، فنحن كنا نعاني ألف مرة. في جامعتي على سبيل المثال، لم نكن نعرف دفعة واحدة تخرّجت من البرنامج، ولم نرَ نموذجًا يحتذى به في أي شيء نطمح إليه. فكان من شبه المستحيل تحقيق أبسط متطلبات المسار المهني أو الأكاديمي. فمثلًا، عندما ترى سيرتي الذاتية اليوم وتجد أنني تدربت لسنوات متتالية في أكثر من مركز بحثي، فهذا – آنذاك – كان إنجازًا لم أكن لأحلم به، لأن الفرص كانت شبه معدومة، والعلاقات نادرة، والداعمين قليلون إن لم يكونوا معدومين. اليوم، أرى أن الأمور باتت أفضل – وإن كانت الأعداد أكبر – لكن الوضع عمومًا أفضل، حتى وإن لم تشعروا بذلك، ابذلوا جهدًا، وستشعرون بإذن الله. أما في ذلك الوقت، فكنت أبذل مجهودًا هائلًا وأحصد نتائج ضعيفة، فقط لأن أحدًا لم يكن يعترف بوجودنا من الأساس.
الطلاب الذين اليوم يستطيعون النشر، والتدرب، والعمل على مشاريع، وتنظيم جلسات عرض، وتقديم عروض تقديمية، والمشاركة في فعاليات وتنظيمها، يجب أن يستمروا ويشجعوا زملاءهم وينشروا هذه الثقافة. لأننا، في زمننا، كل هذا لم يكن موجودًا – أو كان أقل انتشارًا بكثير. فلكل فرد منا دور في تشجيع زملائه على خوض هذه التجارب. وبالمنوال نفسه، جاء قراري بتأسيس كيان تطوعي.
كان قرارًا صعبًا، غير واضح المعالم، ولم يكن مفهومًا أصلًا ما هو العمل التطوعي، أو ما مدى أهميته أو دوره. لكن طموحي في ذلك الوقت، وبكل صدق وأمانة، كان أن أخلق نوعًا من الزخم في هذا المجال، بدلًا من الانعزال والتفكك وغياب التواصل. حتى وإن لم أكن أفضل شخص لتنفيذ هذا، لكنه لم يكن قرارًا يخصني وحدي؛ كان قرارًا من أجل كل من يدرس هذا المجال أو سيأتي لاحقًا ليدرسه. حجر ألقيته في مياه راكدة. كان لا بد من تضحيات، ولم أفكر حينها هل أمتلك الخبرة الكافية أم لا. كل ما فكرت فيه هو أنني يجب أن أفعل ذلك. لأنني إن لم أفعله، فلن يكون لي ولا لمجالي أي صوت.
يجب أن ندرك أنني أتحدث من وجهة نظر طالب كان لا يزال في سنته الأولى أو الثانية. ضعف الموارد، ضعف الإمكانيات، ضعف الخبرات، وضعف العلاقات كان هو السائد. أجد كثيرين اليوم يقارنون الواقع الحالي بالواقع الذي نشأتُ فيه، ويظنون أن ما هو متاح اليوم كان متاحًا حين بدأتُ. يا جماعة، لو كان متاحًا واحد من مليون مما هو متاح اليوم، لما فكرتُ أصلًا أن أبدأ أي شيء، لأنني لن أكون بحاجة إلى البدء، فهناك من يفعل. كذلك، أسمع من بعض الأساتذة الكبار أن "المجال معروف وموجود قبل أن تدخله"، وأنا لا أخالفهم الرأي، لكن أين كانت تلك المعلومات وأنا أبحث عنها في أول دراستي؟ من كان يأتينا ليوقظ وعينا؟ من كان يحاول نشر المعرفة أو الحديث عن هذا المجال؟ من كان يمنحنا الأمل؟ من كان يوجّهنا أو ينصحنا؟
جهود الأساتذة الكبار على المستوى الأكاديمي في حياتهم العلمية أمر نفخر به جميعًا، لكنه لا علاقة له بخدمة المجتمع ونزولهم للطلاب لتوعيتهم بمستقبلهم. كوني متخصصًا في المجال ومحققًا فيه إنجازات لا يعني أن الجهل عند الآخرين هو ذنبهم. بل هؤلاء الناس بحاجة لمن يعرفهم. وإن قرروا لاحقًا تجاهل المعرفة رغم إتاحتها، فهذا قرارهم. أما أن تكون المعرفة غير متاحة أصلًا، ونلومهم على جهلهم، فهذه مغالطة كبيرة. لأن الله نفسه لا يحاسب أحدًا حتى تصله الرسالة.
حينها، أن تجد طالبين من جامعتين مختلفتين يدرسان البيوتكنولوجي ومتعارفين، كان أمرًا غير موجود. بل كان هناك عنصرية بين الجامعات، تغذيها إدارات جامعية كانت تروّج لتفوق طلابها بشكل غير مبرر وتغرس فيهم الغرور والتكبر لمجرد انتمائهم إلى هذه الجامعة. تخلف وجهل تسبّبا في أن تصبح كل جامعة جزيرة منعزلة. والطلاب، وهم الضحايا، ظنّوا أنهم إما في جنة الله على الأرض، أو في الجحيم. لم يكونوا يعلمون أنهم طلاب علم، وأن طالب العلم يتعلم حيثما حلّ، وأيًا كان من يجلس أمامه، فهو أستاذه. طالب العلم قد يكون له أستاذ في كل جامعة، ومدرسة في كل أرض.
هذا هو الدور الحقيقي للعمل التطوعي الذي أسسته: محاربة مفاهيم الانعزال، ومحاربة العنصرية بين طلاب المجال، ومحاربة الفوقية، ومحاربة الانغلاق، ومحاربة الأمية الثقافية الناتجة عن التركيز الضيق على التخصص دون وعي بالواقع أو الحياة أو المهارات. وليس الغرض من هذا المنشور الحديث عن إنجازاتي، بل تقديم مثال حيّ وواقعي عن دور العمل التطوعي. العمل التطوعي هو عمل ملحمي بطبيعته، يختلف عن العمل العسكري في شيء واحد فقط: أنه لا يُسفك فيه دم. وكما أن العمل العسكري يخوض حربًا ضد الأعداء، فإن العمل التطوعي يخوض حربًا ضد الجهل. أي عمل تطوعي يقوم أولًا على نشر الوعي، وثانيًا على اتخاذ إجراءات عملية من قبل المتطوعين لمحاربة استمرار الجهل في المجتمع.
هذا هو بالضبط دور العمل التطوعي وأهميته. وعلاقته بمجالنا علاقة العضو بالجسد. نحن في مجالنا بحاجة لأعمال تطوعية حقيقية تعزز من القيم الإنسانية، لأنه قبل أن نبني أنفسنا أكاديميًا أو مهنيًا، يجب أن نكون مؤهلين إنسانيًا لتلك العلاقات. فالعلاقات قبل أن تكون مهنية أو أكاديمية، هي علاقات إنسانية. العمل التطوعي يجب أن يُنفّذ بعيدًا عن أي جهة تعليمية. فإن كنتَ ترغب في تأسيس كيان تطوعي حقيقي، فيجب أن تملك التحكم الكامل في رؤيته، مهمته، وأهدافه. لأن العمل التطوعي شيء، والعمل الطلابي شيء آخر. وكل ما هو مرتبط بالجامعة يُعد عملًا طلابيًا. وسأتحدث لاحقًا عن أهمية العمل الطلابي، لكنه ليس موضوعنا الآن.
العمل التطوعي عابر للمؤسسات، لكنه في ذات الوقت يربطها ببعضها. عابر للأشخاص، لكنه يربطهم ببعض. يواجه القضايا التي يعاني منها المجتمع في الوعي والثقافة، ويتخذ إجراءات إيجابية. العمل التطوعي وعلاقته بالبيوتكنولوجي علاقة وثيقة. لأن مجتمع البيوتكنولوجي في مصر يحتاج إلى خدمات كثيرة: توعية، إرشاد مهني، إرشاد أكاديمي، تواصل، علاقات. كما ذكرت في منشورات سابقة، فإن العمل التطوعي يقدّم الاحتياجات الحقيقية للمجتمع – تلك التي إن غابت، انهار المجتمع أو أصبح هلاميًا. وفي الوقت نفسه، لا أحد يقدّم هذه الخدمات، فيتدخل العمل التطوعي لتعويض هذا الغياب، في حال لم تقدمه جهات رسمية.
هل تتخيل أن كل ما سبق غير موجود؟! وأن نشر أهمية ودور العمل التطوعي في هذا الإطار يشبه خطة طوارئ لا بد من تنفيذها، وإلا فإن المجال الذي تكدّ في دراسته اليوم، قد لا يكون له وجود غدًا. وقد يصبح المجال مثل مركب يحاول الجميع القفز منه أو التنصل من الانتماء له. وهذا – بالمناسبة – أراه يحدث فعلًا. لا بد أن تضحّي مجموعة من أجل هذا المجال وتبذل جهدًا أكبر في العمل التطوعي. لأن فكرة "النجاة الفردية" تعني أن المجال لا يملك حاضنة مجتمعية، ولا توجد شبكة دعم مجتمعي لك. حتى إن كنت تمتلك المال والخبرة وتريد تنفيذ مشروع، فلن تجد أشخاصًا مؤهلين تعتمد عليهم. وهذا تحدٍّ حقيقي يواجه اليوم كبار المجال، رغم كثرة الأعداد، إلا أن عدد المؤهلين قليل للغاية.
أرى كثيرًا من النقاشات السطحية، ومع أنني لا أرى جدوى من الدخول فيها، إلا أنني سأذكر بعضها لتوضيح مدى تفاهتها. مثلًا، نقاشات حول التقدير الجامعي، وأنه سيؤثر على مستقبلك! ما نفع التقدير في سوق عمل غير موجود أصلًا؟! التعيين الحكومي لم يعد متاحًا إلا في الجامعات، فكم شخصًا سيتعيّن؟ واحد أو اثنان فقط؟! وسط مئات؟ كلام فارغ...
قل لي، كم شخصًا حصل على أعلى التقديرات ويعمل اليوم خارج مجاله أو لا يزال بلا عمل؟ أنا لا أقلل من أهمية التقدير، بل أتحدث بواقعية. التقدير مهم، نعم، لكنه مجرد عنصر من عناصر كثيرة للتميّز. لا يصح اختزاله وحده. وبالطبع، ليس الجميع يريد أن يصبح معيدًا جامعيًا. لذلك، فإن من لا يرغب في أن يكون معيدًا، يمكنه أن يركّز أكثر على بناء نفسه ومجتمعه من خلال العمل التطوعي، لأن المجتمع بأمسّ الحاجة لذلك.
إن لم تكن تستهدف وظيفة أكاديمية، فاحرص على أن يكون تقديرك في أعلى مستوى يمكنك تحقيقه، لكن لا تمنح كل جهدك للدراسة وحدها. لا تزال بحاجة إلى تدريب، وتطوع، ونشر أبحاث، وكل ذلك وأنت لا تزال طالبًا. إن ركزت على التقدير وحده حتى التخرج، ستبدأ بعد التخرج من الصفر. فهل لديك الوقت والمال للصبر خمس أو ست سنوات أخرى؟ هذه فرصة ذهبية وأنت في الجامعة: امنح الدراسة 80%، والباقي وزّعه على التدريب والتطوع. لديك إجازات الصيف كاملة، استغلها جيدًا، ولن تضطر للمساس بدراستك. وكل ذلك من أجلك، ومن أجل مجتمعك. من أجلك، لأن من سيوظفك سيجد أنك تمتلك خبرة، وليس مجرد تقدير. وما المشكلة إن كان تقديرك "جيد جدًا" أو "جيد" ولديك خبرة؟ حتى المنح الخارجية لا تتطلب أكثر من ذلك. فتحافظ بذلك على فرصك داخل وخارج البلاد. وفي الوقت نفسه، تكون قد قدمت خدمة لمجتمعك، تعود عليك لاحقًا بالفائدة أيضًا.
أعتقد أنني قد أوضحت فكرتي. أرحب بالنقاش البنّاء، بشرط أن يرى الطرف الآخر الصورة كاملة، ويقرأ المنشورات السابقة حول الموضوع، لأنني لا أملك الوقت لمجادلة من يريد فقط إثبات صحة وجهة نظره. فإن كانت وجهتك صحيحة، فوجهتي كذلك، وكلٌ له رأيه، وما عليك سوى احترام وجهات النظر الأخرى. أما إن ظننت أن وجهتك وحدها هي الصحيحة، فذلك قصور في الفكر ستدركه لاحقًا، وإن لم تدركه، فلا يهمني في الحقيقة.